فصل: تفسير الآية رقم (8):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الزهري: أرى أن تكفر كفارة الظاهر، ولا يحول قولها هذا بينها وبين زوجها أن يصيبها.
والظاهر أن قوله تعالى: {ثم يعودون لما قالوا}: أن يعودوا للفظ الذي سبق منهم، وهو قول الرجل ثانيًا: أنت مني كظهر أمي، فلا تلزم الكفارة بالقول، وإنما تلزم بالثاني، وهذا مذهب أهل الظاهر.
وروي أيضًا عن بكير بن عبد الله بن الأشج وأبي العالية وأبي حنيفة: وهو قول الفراء.
وقال طاووس وقتادة والزهري والحسن ومالك وجماعة: {لما قالوا}: أي للوطء، والمعنى: لما قالوا أنهم لا يعودون إليه، فإذا ظاهر ثم وطئ، فحينئذ يلزمه الكفارة، وإن طلق أو ماتت.
وقال أبو حنيفة ومالك أيضًا والشافعي وجماعة: معناه يعودون لما قالوا بالعزم على الإمساك والوطء، فمتى عزم على ذلك لزمته الكفارة، طلق أو ماتت.
قال الشافعي: العود الموجب للكفارة أن يمسك عن طلاقها بعد الظهار، ويمضي بعده زمان يمكن أن يطلقها فيه فلا يطلق.
وقال قوم: المعنى: والذين يظهرون من نسائهم في الجاهلية، أي كان الظهار عادتهم، ثم يعودون إلى ذلك في الإسلام، وقاله القتيبي.
وقال الأخفش: فيه تقديم وتأخير، والتقدير: فتحرير رقبة لما قالوا، وهذا قول ليس بشيء لأنه يفسد نظم الآية.
{فتحرير رقبة}، والظاهر أنه يجزئ مطلق رقبة، فتجزئ الكافرة.
وقال مالك والشافعي: شرطها الإسلام، كالرقبة في كفارة القتل.
والظاهر إجزاء المكاتب، لأنه عبد ما بقي عليه درهم، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه: وإن عتق نصفي عبدين لا يجزئ.
وقال الشافعي: يجزئ.
{من قبل أن يتماسا}: لا يجوز للمظاهر أن يطأ حتى يكفر، فإن فعل عصى، ولا يسقط عنه التكفير.
وقال مجاهد: يلزمه كفارة أخرى.
وقيل: تسقط الكفارة الواجبة عليه، ولا يلزمه شيء.
وحديث أوس بن الصامت يرد على هذا القول، وسواء كانت الكفارة بالعتق أم الصوم أم الإطعام.
وقال أبو حنيفة: إذا كانت بالإطعام، جاز له أن يطأ ثم يطعم، وهو ظاهر قوله: {فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا}، إذ لم يقل فيه: {من قبل أن يتماسا}، وقيد ذلك في العتق والصوم.
والظاهر في التماس الحقيقة، فلا يجوز تماسهما قبلة أو مضاجعة أو غير ذلك من وجوه الاستمتاع، وهو قول مالك وأحد قولي الشافعي.
وقال الأكثرون: هو الوطء، فيجوز له الاستمتاع بغيره قبل التكفير، وقاله الحسن والثوري، وهو الصحيح من مذهب الشافعي.
والضمير في {يتماسا} عائد على ما عاد عليه الكلام من المظاهر والمظاهر منها.
{ذلكم توعظون به}: إشارة إلى التحرير، أي فعل عظة لكم لتنتهوا عن الظهار.
{فمن لم يجد}: أي الرقبة ولا ثمنها، أو وجدها، أو ثمنها، وكان محتاجًا إلى ذلك، فقال أبو حنيفة: يلزمه العتق ولو كان محتاجًا إلى ذلك، ولا ينتقل إلى الصوم، وهو الظاهر.
وقال الشافعي: ينتقل إلى الصوم.
والشهران بالأهلة، وإن جاء أحدهما ناقصًا، أو بالعدد لا بالأهلة، فيصوم إلى الهلال، ثم شهرًا بالهلال، ثم يتم الأول بالعدد.
والظاهر وجوب التتابع، فإن أفطر بغير عذر استأنف، أو بعذر من سفر ونحوه.
فقال ابن المسيب وعطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار والشعبي ومالك والشافعي: في أحد قوليه يبني.
وقال النخعي وابن جبير والحكم بن عيينة والثوري وأصحاب الرأي والشافعي: في أحد قوليه.
والظاهر أنه إن وجد الرقبة بعد أن شرع في الصوم، أنه يصوم ويجزئه، وهو مذهب مالك والشافعي.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: يلزمه العتق، ولو وطئ في خلال الصوم بطل التتابع ويستأنف، وبه قال مالك وأبو حنيفة.
وقال الشافعي: يبطل إن جامع نهارًا لا ليلًا.
{فمن لم يستطع} لصوم لزمانة به، أو كونه يضعف به ضعفًا شديدًا، كما جاء في حديث أوس لما قال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ فقال: والله يا رسول الله إني إذا لم آكل في اليوم والليلة ثلاث مرات كل بصري وخشيت أن تعشو عيني.
والظاهر مطلق الإطعام، وتخصصه ما كانت العادة في الإطعام وقت النزول، وهو ما يشبع من غير تحديد بمدّ.
ومذهب مالك أنه مد وثلث بالمدّ النبوي، ويجب استيعاب العدد ستين عند مالك والشافعي، وهو الظاهر.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: لو أطعم مسكينًا واحدًا كل يوم نصف صاع حتى يكمل العدد أجزأه.
{ذلك لتؤمنوا}، قال ابن عطية: إشارة إلى الرجعة والتسهيل في الفعل من التحرير إلى الصوم والإطعام.
ثم شدّد تعالى بقوله: {وتلك حدود الله}: أي فالزموها وقفوا عندها.
ثم توعد الكافرين بهذا الحكم الشرعي.
وقال الزمخشري: ذلك البيان والتعليم للأحكام والتنبيه عليها، لتصدقوا بالله ورسوله في العمل بشرائعه التي شرعها في الظهار وغيره، ورفض ما كنتم عليه من جاهليتكم، {وتلك حدود الله} التي لا يجوز تعديها، {وللكافرين} الذين لا يتبعونها ولا يعملون عليها {عذاب أليم}. انتهى.
{إن الذين يحادون الله ورسوله}: نزلت في مشركي قريش، أخزوا يوم الخندق بالهزيمة، كما أخزى من قاتل الرسل من قبلهم.
ولما ذكر المؤمنين الواقفين عند حدوده، ذكر المحادّين المخالفين لها، والمحادة: المعاداة والمخالفة في الحدود.
{كبتوا}، قال قتادة: أخزوا.
وقال السدي: لعنوا.
قيل: وهي لغة مذحج.
وقال ابن زيد وأبو روق: ردّوا مخذولين.
وقال الفراء: غيظوا يوم الخندق.
{كما كبت الذين من قبلهم}: أي من قاتل الأنبياء.
وقيل: يوم بدر.
وقال أبو عبيدة والأخفش: أهلكوا.
وعن أبي عبيدة: التاء بدل من الدال، أي كبدوا: أصابهم داء في أكبادهم.
قيل: والذين من قبلهم منافقو الأمم.
قيل: وكبتوا بمعنى سيكبتون، وهي بشارة للمؤمنين بالنصر.
وعبر بالماضي لتحقق وقوعه، وتقدّم الكلام في مادة كبت في آل عمران.
{وقد أنزلنا آيات بينات} على صدق محمد صلى الله عليه وسلم، وصحة ما جاء به.
{وللكافرين}: أي الذين يحادّونه، {عذاب مهين}: أي يهينهم ويذلهم.
والناصب ليوم يبعثهم العامل في للكافرين أو مهين أو اذكر أو يكون على أنه جواب لمن سأل متى يكون عذاب هؤلاء؟ فقيل له: {يوم يبعثهم الله}: أي يكون يوم يبعثهم الله، وانتصب {جميعًا} على الحال: أي مجتمعين في صعيد واحد، أو معناه كلهم، إذ جميع يحتمل ذينك المعنيين؛ {فينبئهم بما عملوا}، تخجيلًا لهم وتوبيخًا.
{أحصاه} بجميع تفاصيله وكميته وكيفيته وزمانه ومكانه.
{ونسوه} لاستحقارهم إياه واحتقارهم أنه لا يقع عليه حساب.
{شهيد}: لا يخفى عليه شيء.
وقرأ الجمهور: {ما يكون} بالياء؛ وأبو جعفر وأبو حيوة وشيبة: بالتاء لتأنيث {النجوى}.
قال صاحب اللوامح: وإن شغلت بالجار، فهي بمنزلة: ما جاءتني من امرأة، إلا أن الأكثر في هذا الباب التذكير على ما في العامة، يعني القراءة العامة، قال: لأنه مسند إلى {من نجوى} وهو يقتضي الجنس، وذلك مذكر. انتهى.
وليس الأكثر في هذا الباب التذكير، لأن من زائدة.
فالفعل مسند إلى مؤنث، فالأكثر التأنيث، وهو القياس، قال تعالى: {وما تأتيهم من آية من آيات ربهم} {ما تسبق من أمة أجلها} ويكون هنا تامة، ونجوى احتمل أن تكون مصدرًا مضافًا إلى ثلاثة، أي من تناجي ثلاثة، أو مصدرًا على حذف مضاف، أي من ذوي نجوى، أو مصدرًا أطلق على الجماعة المتناجين، فثلاثة: على هذين التقديرين.
قال ابن عطية: بدل أو صفة.
وقال الزمخشري: صفة.
وقرأ ابن أبي عبلة {ثلاثة} و{خمسة} بالنصب على الحال، والعامل {يتناجون} مضمرة يدل عليه نجوى.
وقال الزمخشري: أو على تأويل نجوى بمتناجين ونصبها من المستكن فيه.
وقال ابن عيسى: كل سرار نجوى.
وقال ابن سراقة: السرار ما كان بين اثنين، والنجوى ما كان بين أكثر.
قيل: نزلت في المنافقين، واختص الثلاثة والخمسة لأن المنافقين كانوا يتناجون على هذين العددين مغايظة لأهل الإيمان؛ والجملة بعد إلا في المواضع الثلاثة في موضع الحال، وكونه تعالى رابعهم وسادسهم ومعهم بالعلم وإدراك ما يتناجون به.
وقال ابن عباس: نزلت في ربيعة وحبيب ابني عمرو وصفوان بن أمية، تحدّثوا فقال أحدهم: أترى الله يعلم ما نقول؟ فقال الآخر: يعلم بعضًا ولا يعلم بعضًا، فقال الثالث: إن كان يعلم بعضًا فهو يعلمه كله.
{ولا أدنى من ذلك}: إشارة إلى الثلاثة والخمسة، والأدنى من الثلاثة الاثنين، ومن الخمسة الأربعة؛ ولا أكثر يدل على ما يلي الستة فصاعدًا.
وقرأ الجمهور: {ولا أكثر} عطفًا على لفظ المخفوض؛ والحسن وابن أبي إسحاق والأعمش وأبو حيوة وسلام ويعقوب: بالرفع عطفًا على موضع نجوى إن أريد به المتناجون، ومن جعله مصدرًا محضًا على حذف مضاف، أي ولا نجوى أدنى، ثم حذف وأقيم المضاف إليه مقامه فأعرب بإعرابه.
ويجوز أن يكون {ولا أدنى} مبتدأ، والخبر {إلا هو معهم}، فهو من عطف الجمل، وقرأ الحسن أيضًا ومجاهد والخليل بن أحمد ويعقوب أيضًا: {ولا أكبر} بالباء بواحدة والرفع، واحتمل الإعرابين: العطف على الموضع والرفع بالابتداء.
وقرئ: {ينبئهم} بالتخفيف والهمز؛ وزيد بن علي: بالتخفيف وترك الهمز وكسر الهاء؛ والجمهور: بالتشديد والهمز وضم الهاء. اهـ.

.تفسير الآية رقم (8):

قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقولونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقول حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8)}

.مناسبة الآية لما قبلها: